تعزية ومواساة بوفاة وطني.

مجال نت

مقال /اكرم العلوي

رحمة الله عليك يا وطني ،فقدت الحياة في وطني كل مقوماتها ولذة عيشها وقيمة الإنسان فيها عندما ضاع الشرف وفقدت المبادئ وماتت الفضيلة، عندما أصبح القتل شجاعة، والرشوة مباحة، والكذب طريقة للحياة ،والعمالة للأجنبي شطارة، والسرقة رجولة، في زمن أصبح الكذب فيه هو اللغة الرسمية، والخيانة واقعية، ونذالة السياسيين تصرفات طبيعية، والدجل هي الطريقة المثلى لأصحاب العمائم واللحى،رفعت الغيرة وانتهى دور الوطن والوطنية،فكيف لك أن تكون وطنياً في بلد يحكمه القتلة والمجرمون، واللصوص، والمستبدون، فالوطنية الحقيقية لا تنمو وتزدهر لتثمر أمنا واستقرارا ورخاء، إلا إذا تنفست نسائم الحرية، وكانت عامرة بالأحرار والشرفاء في ظل الديمقراطية والحكم الرشيد.
الطغاة لا يصنعون لا موطنين ولا أناساً وطنيين، بل يصنعون منافقين وكذابين ومرائين ،وبما أن النظام المخزي في وطني اعتاد على فرض كل شيء في البلاد بالقوة والبلطجة الأمنية، فقد ظهرت لنا أجيال وأجيال  تقول عكس ما تضمر توخياً للسلامة. 
لهذا أصبح النفاق دين الكثير  فغابت الوطنية الحقة، وأصبح الكذب والف والدوران والفبركة والتظاهر بالوطنية شعار المرحلة ،وقد بدجلنا كثير ظلوا ملتزمين بممارسة النفاق رغم أن الاغلب داخل وخارج أرض الوطن حطموا جدار الصمت ودفعوا ثمناً غالياً.
الكل سماسرة لا يستثنئ منهم أحد  يبحثون عن مصالحهم وأخر ما نفكر به، وأخر ما نتذكره هو أنت يا وطني المكسور كم من جراح أنت تحتمل وكم من آسى يبيت فيك، ويعزف أنشودة الأمل الضائع ويصيح فيك دون انقطاع .

ألسنا نعيش اليوم أكثر مراحل تاريخنا بؤسا وتخلفا وظلاما وقهرا، بسبب تكالب الخارج والداخل علينا، أليس اليوم هو يوم اللصوص والدجل وبيع الكلام على السذج أليس اليوم هو يوم العملاء سافرين بدون حياء؟ أليس اليوم يحكمنا الأمي والدجال؟ 
لمن ننادي ونصرخ لجماعة من المفسدين تركوا الشرف وكيف ندعو لمن باع الشرف ببعض دولارات حتى أصبحت دمائنا أرخص من مياه الصرف الصحي ،لمن ننادي وقد سرقونا وباعونا وهجرونا واعتقلونا نعم لقد نجحتم أيها الفاسدون بتحويل الوطن إلى مزرعة لكم ولكلابكم،ونصبتّم أنفسكم أسيادا وجعلتم فقراء وطني  لكم بعتم الوطن بثمن بخس، واليوم تقفون بكل وقاحة وتتحدثون عن الوطنية وتعقدون مجالسكم وكأنكم أهل الدار بعد أن خربتموها وسرقتموها وعثتم فيها فسادا بل ولقد ملأتموها بقاذوراتكم.

الناس في وطني باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم اليومية ضد همومهم الحياتية، فالمواطن محدوب الظهر من أحمال ثقيلة ألقت بها الحكومات على ظهره بحجة الأزمات الاقتصادية التي كان لهم اليد الطولي في وجودها فلم تجد بدّآ لستر عجزها إلا بفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار عليه، يضربونه أكثر ما يطعمونه، أفقدوه القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والحليب القليل والماء الشحيح رغم تلوثه، أو البحث عن فرصة عمل كريمة.

أنا لم أرَ في وطني اليوم إلا أبطالاً في القبور ولصوصاً في قصور، وأغنياء على ذل الفقراء يغتنون، وحكاماً على جثث الناس يرقصون، ونواباً لا يتغيرون، ووزراءَ في مواضيع الإنشاء يتنافسون، وبعد الموت يظلون يبتلعون، وبالدين يقتلون ويكفرون، وغباء بالجملة، وقطعاناً يسيرون، في ظل نظام مخزي يقوم على قمع الشعب في الداخل، وإبقائه على الجهل والتخلف حتى يستمر في منصبه، وتكييف العلوم وبلورتها بما يتناسب مع أيدولوجيته، تشكيل الشعب بقالب معين، وتدجينه وفق أيدلوجية معينة، محاربة المنطق وتكفير المناطقة، إشغال الشعب بعدو وهمي أو أسطوري، أو إيهامه بعدو ما وتحميسه ضد هذا العدو، استغلال الدين لتثبيت حكمه، إبقاء الشعب في حالة فقر وعوز دائمين حتى يكدح الشعب وينشغل بطلب العيش عن طلب الترؤس، نشر الرذيلة والعهر في المجتمع، تفكيك المجتمع أسرياً وقبلياً.

أنا لم أعرف إلا وطن بلا كهرباء وبلا مياه وبلا دولة، أخبارنا طقس ماطر أغرق البلاد وإعلام على هرج ومرج، فنانات وعاهرات ومسلسلات بلا معنى لا مغزى، أنا عرفت شهداء وشجوناً وأحزاناً وشجعاناً يُغتالون. أنا رأيت وهماً صدّقناه أسموه حرية، جعلناه حرية كارثية ،ورأيت شعارات جديدة وهتافات جديدة وبألوان قاتمة وبهزائم جديدة، أنا رأيت مدارس لا تدرّس، وجامعات لا تجمع، رأيت متاريسَ وطوائفَ وأسلحةً وأبناءَ وطن واحد يَنهش بعضُهم بعضاً. والجميع يتفرجون والأمم تضحك ،رأيت الإنسان هنا يرخص ويعلو كل شيء عداه ويموت، فيُنسى أسرع من الموت .
وطني الحبيب، لقد ذبحوك من الوريد إلى الوريد، لقد جففوا ينابيعك بحقدهم وحرقوا حقولك بشرورهم مصّوا دمك، وأكلوا لحمك وشحمك ولم يبقوا لك إلا الجلد والعظم، باسم الله شوهوك، باسم الحب قتلوك، وباعوا ترابك وهواءك وماءك وكبرياءك ومع ذلك يصفقون لك وينشدون عاش الوطن، يدهشني كذبهم ويزلزلني دجلهم أولئك الذين جيوبهم مع الوطن وسيوفهم على الوطن، يغنوّن للوطن ويقبضون الثمن يحرقون الوطن ويقبضون الثمن.
كيف لنا أن نعبر عن وضعنا، وأملنا في الغد المتمثل في شبابنا الممتلئين حياة وغيره ونشاط وشجاعة وعطاءاً يموتون هم أيضا، بلا مقاتلة، ولا مناضلة، لأن البطالة والمحسوبية وإغلاق كل الأبواب في وجوههم امتص منهم الحق في الحياة قليلا قليلا، حتى تركهم جثثا حية، وهم في ريعان الشباب، والقوة، والحيوية، بعد أن تعذر عليهم العمل والزواج والحب وحرموا حتى من حقهم في الحلم بهذه الحقوق البسيطة.

الوطن أن يحتاجنا لا أن نحتاجه، الوطن أن يبكينا لا أن نبكيه، وأن ينتمي إلينا لا أن ننتمي إليه، أن يشهدَ بنا لا أن نشهدَ به، أن يضمّنا بعد الموت لا أن نضمّه ميتاً بعد أن اغتالته أيادي الآثمين ممن يحملون أرقاما وطنية وجوازات سفر دبلوماسي .
فأين أنت يا وطني؟ أين رجالك؟ وأين أبطالك المخلصين ؟بل أين الرجال الذين كنا نعدهم من الرجال؟كلنا متحآلفون عليك يا وطني لأننا لم نلتزم حب الوطن وغرقنا في صمتنا، وتركناك في مستنقع الفساد كل هذه العقود، إذن كلنا فاسدون بكذبنا بنفاقنا بصمتنا بدجلنا.
الكل سماسرة يبحثون عن مصالحهم وأخر ما نفكر به، وأخر ما نتذكره هو أنت يا وطني المكسور كم من جراح أنت تحتمل وكم من آسى يبيت فيك، ويعزف أنشودة الأمل الضائع ويصيح فيك دون انقطاع، اختلطت كل الخيوط، فلا أحد أصبح يعرف على وجه التحديد تعريفا لهذا المآزق، أهو الكبت السياسي فقط أم الغضب المكتوم، أم الفساد والبطالة، أما صبر أيوب، أم افتراء المفتري، أم الفقر والعذاب، والمرض، أم هو الحرمان، أم القسوة، والظلم، أم هو التبلد أم هو كل هذه المتناقضات، في خليط مبتكر عجيب يجسد ما آلت إليه الشخصية الوطنية من الكراهية المستترة، اليأس والأقدام، الرضوخ والتمرد، الضعف والقوة .
الوطن أن يحتاجنا لا أن نحتاجه، الوطن أن يبكينا لا أن نبكيه، وأن ينتمي إلينا لا أن ننتمي إليه، أن يشهدَ بنا لا أن نشهدَ به، أن يضمّنا بعد الموت لا أن نضمّه ميتاً بعد أن اغتالته أيادي الآثمين ممن يحملون أرقاما وطنية وجوازات سفر دبلماسية ،ها أنا أنعي إليكم وطني الذبيح أتمنى أن تزرعوا درب المقبرة بالورد والياسمين فالوطن لم يعد بعد اليوم له وجود بين الأحياء، اعذرونا إن صرخنا ورفضنا كل شيء، وكسرنا كل قيد، فقوة القمع في وطني أرهبت الجميع  اعذرونا  فحب الوطن لعنة تطاردنا.