تحليل لمركز مسارات: هل تغيرت معادلة الحرب والسلام في اليمن؟
تبدو الامور وكانها تسير الي منعطف جديد قد تضع حدا لتطلعات اليمنيين في تحقيق السلام في البلد، الذي انهكته الحرب الدائرة منذ نحو ثمان سنوات، وما تزل قائمة بصورة او باخرى، ولم تنفع معها الجهود الداخلية والخارجية الرامية الي وقفها، وبدء عملية سياسية جديدة.
ان الهجمات الحوثية الاخيرة على منشآت النفط في كل من شبوة وحضرموت شرق اليمن، بدت كما لو كانت تمثل تحديا كبيرا لجهود السلام، ومؤشرا خطيرا على بدء مرحلة جديدة من الحرب لم تألفها اليمن من قبل.
لقد مرت الهجمات الحوثية على ميناء النشيمة لتصدير النفط في شبوة وميناء الضبة في منطقة الشحر بمحافظة حضرموت مرور الكرام، لم نشهد تحركا من قبل التحالف، ولا مواقف من قبل المجتمع الدولي، ولا تحركات من قبل الشرعية اليمنية ممثلة بالمجلس الرئاسي التي اكتفت باعلان تصنيفها للحوثي كجماعة ارهابية عبر مجلس الدفاع الوطني التابع لها، دون ان نرى ما يمكن ان يلحق بهذا التصنيف من عقوبات وتوجهات.
هجمات الحوثي
كسر الحوثيون حاجز الهدنة التي استمرت لاشهر، وشنوا قبل ايام قلائل هجمات بالطيران المسير على اكبر منشآت تصدير النفط الواقعة في جنوب البلاد، تحقيقا لتهديدات سابقة اطلقوها بهذا الخصوص، تنطلق من رغبتهم في الحصول على نصيب من ايرادات النفط المالية المستخرج من شبوة وحضرموت، والذي تقوم الحكومة الشرعية ببيعه للخارج مقابل اموال طائلة بالعملة الصعبة، لا يعود منها شيئا للبنك المركزي اليمني، وتقوم كما هو معروف بالتصرف بها لصالح مرتبات ونفقات الرئاسة والحكومة والبرلمان، ولكثير من الناشطين الاعلامين وغيرهم الذين يتقاضون مرتبات او مكافات شهرية منها، وما تبقى يتم ايداعه في البنك الاهلي السعودي تحت اشراف التحالف، يحدث ذلك منذ بدات الحرب قبل نحو ثمان سنوات ونيف تقريبا.
هجمات الحوثيون احدثت متغيرا جديدا في معادلة الحرب لاسيما في الجنوب الذي لحقت بهم هزيمة كبيرة فيه، وذلك باستخدام الطيران المسير الذي لن يتوقف عند استهداف المنشآت النفطية الصيد الثمين للحوثين، وانما ربما يتوسع لاستهداف مواقع اخرى، لا يستبعد ان يكون قصر المعاشيق بالعاصمة عدن حيث تقيم الرئاسة والحكومة هدفا قادما لها.
يريد الحوثيون فرض شروطهم على الجميع في حال حدث حوار سياسي مع الطرف الاخر، او فيما يحدث من حوار مع التحالف، وتاتي هجماتهم الاخيرة في هذا الاطار ايضا الي جانب ممارسة سياسة الابتزاز لدفع التحالف والشرعية لتسليمه حصة من النفط كما يطمح، مالم فانه سيستمر بتوظيف قدراته العسكرية لوضع الجنوب ضمن اهدافه، لاسيما المنشآت والمواقع الحساسة التي تستفيد منها الحكومة الشرعية، والتي لا يمكن للتحالف التفريط بها في ظل الصراع المحموم للسيطرة على الجنوب والمواقع الاستراتيجية والحيوية فيه.
مكنت الحرب الحوثيون من بناء ترسانة عسكرية ضخمة لا ينبغي التقليل منها، فهم يحصلون على السلاح اما عبر التهريب او عبر التصنيع الداخلي، حيث اسندت هذه المهمة لخبراء ايرانيين وعرب من حزب الله، يعملون تحت اشراف ايران مباشرة، وتبدو هذه الترسانة العسكرية قد منحت الحوثيون قدرا كبيرا من المناورة والصمود على المسرح السياسي وفي جبهات القتال، لكنها لم تمكنهم حتى الان من السيطرة على مارب اهم المناطق الغنية بالغاز في شمال اليمن او السيطرة الكاملة على تعز اهم المناطق الشمالية الواقعة جنوب صنعاء وذات الكثافة السكانية الهائلة.
ويبدو ان الحوثيون يراهنون على عامل الوقت الذي يمكنهم من توسيع وتضخيم ترسانتهم العسكرية، وحصولهم على الاموال الضخمة التي تاتي من الضرائب والجمارك وايرادات المؤسسات الاقتصادية الكبيرة، خصوصا شركات الاتصالات التي يتحكمون بها، ويحصلون على ايراداتها حتى من داخل المناطق المحررة التي تسيطر عليها الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
تصنيف الرئاسي
عقب هجمات الحوثي على منشآت تصدير النفط في كل من شبوة وحضرموت جنوب اليمن، وجه المجلس الرئاسي المعترف به مجلس الدفاع الوطني بتصنيف الحوثين كجماعة ارهابية، لكن هذا الاجراء المتاخر لم يلقى حتى الان تفاعلا اقليميا ودوليا كما كان متوقع، ومازال شان داخلي كما تعتقد القوى الخارجية، بما فيها التحالف صاحب عاصفة الحزم في اليمن.
ولئن ابدا اليمنيون تفاؤلهم بالخطوة التي اقدم عليها المجلس الرئاسي، الا ان هذه الخطوة لم تليها خطوات مهمة حتى الان ينبغي القيام بها، ومن ابرزها: اسقاط كافة الاتفاقات الموقعة مع جماعة الحوثي، والتخلي عن اية التزامات في هذا الخصوص، فضلا عن تجميد الحوار المعلن مع الجماعة المصنفة ارهابيا، وعدم التعاطي معها في اية مسائل سياسية او اقتصادية او غيرها، قد يشجع حدوثها من طرف المجلس الرئاسي جماعة الحوثي للتمرد اكثر فاكثر ومواصلة حربها بالطيران المسير او غيره.
وتبدو الدعوة التي اطلقتها الحكومة الشرعية للوحدات العسكرية لاتخاذ كامل الجاهزية العسكرية للرد على هجمات الحوثين، لم تغادر مجرد الاعلان الي التحركات الحقيقية على الارض، وهذا يكشف الي ان المجلس الرئاسي والحكومة لم يتلقوا الضوء الاخضر من التحالف لردع الحوثين، وايقاف استهدافهم للمنشآت الحيوية والاستراتيجية في الجنوب.
يحتاج المجلس الرئاسي الي نوعا من الاستقلالية في القرار لتنفيذ الخطوات التي يراها مناسبة للرد على جماعة الحوثي، وتحديد بنك الاهداف التي يمكن استهدافها في ضربات عسكرية تليق بالتعامل مع جماعة ارهابية لم يعد يردعها رادع، ولم تقيم وزنا لاخلاقيات الحرب.
وفي الاثناء فان المجلس الانتقالي الجنوبي اصبح اليوم مطالبا اكثر من اي وقت مضى في الحفاظ على امن واستقرار الجنوب، وعدم السماح لتحويل الجنوب الي مسرح حرب جديدة، وفي هذا الاطار طالب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي المجلس الرئاسي بالتخلي عن جميع الاتفاقيات مع الحوثين، ومن ابرزها اتفاق استكهولم والاستعداد للرد العسكري على الحوثين، كما اشار اللواء احمد سعيد بن بريك رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي مخاطبا التحالف العربي” اطلقوا سراحنا ونحن على استعداد لهزيمة الحوثين وردعهم” وهذا المسلك يؤشر الي ان التحالف مايزال يغازل جماعة الحوثين طمعا في ترويضها، او انه هو الاخر يتعرض لضغوط دولية تمنعه من الرد او استئناف الحرب ضد الجماعة المتمردة.
سيذهب تصنيف الحوثين كجماعة ارهابية ادراج الرياح، اذا لم تتبعه الخطوات المطلوبة للتعامل مع هذا القرار الهام، الذي بامكانه تغيير معادلة الحرب والسلام في البلاد.
الحرب والسلام
بعد الهجمات الحوثية المذكورة على منشآت النفط يبدو ان فرص الحرب قد تتغلب على فرص السلام، وتاخذ البلاد معها الي معركة قد تكون حاسمة لفرض السلام بالقوة العسكرية، لكن هذه الخطوة باتت بحاجة لضوء اخضر اقليمي ودولي في ظل تضارب المواقف الخارجية، لاسيما الدولية منها التي يبدو انها توفر المزيد من الحماية والوقت للحوثين، انطلاقا من ايمان المجتمع الدولي بان الحل في اليمن لن يكون عسكريا.
ومؤخرا تحدث رئيس مجلس النواب اليمني الشيخ سلطان البركاني في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا ان بلاده لا تستجدي الحل من الحوثين، وان التفضل بالحل من قبل التحالف والمجتمع الدولي لم يعد ممكنا في ظل جماعة لاتؤمن الا بالقوة والحلول العسكرية.
ولقي موقف البركاني تفاعلا كبيرا في اوساط اليمنيين الذين طالبوا بان يتحول هذا الموقف الي موقف رسمي صادر عن البرلمان او الحكومة الشرعية، وهي المؤسسات التي عمل التحالف على اضعافها بكل الوسائل، حتى اصبحت قدرتها على اتخاذ موقف وطني وشجاع من سابع المستحيلات.
ومن هنا فانه يمكن القول ان التطورات الاخيرة قد تؤدي الي تغيير معادلة الحرب والسلام، اما من خلال خوض حرب جديدة وحاسمة مع الحوثين، او خضوع السلطة الشرعية لمطالب الحوثين المرفوضة شعبيا، مقابل تحقيق السلام، لاسيما وان تعامل التحالف مع الحوثين قد طرأ عليه الكثير من التغيير الذي يخدم اجندتهم، دون ان يضع حلا معقولا ومنطقيا لليمن ومستقبلها، وللاطراف السياسية والاجتماعية التي قاتلت مع التحالف منذ ثمان سنوات ونيف.
تحليل سياسي خاص بمركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام