تحليل أثر مزادات بيع الدولار لصرف المرتبات على استقرار سعر الصرف ، وعلاقتهما بعمل اللجنة الوطنية لتنظيم الاستيراد
.
استاذ الادارة المالية المشارك – بجامعة عدن .
مقدمة مرجعية سريعة: خلال أغسطس شوهد تحسّن سريع في سعر الريال بعد إجراءات رقابية على شركات الصرافة وبدء تفعيل عمل اللجنة الوطنية لتنظيم تمويل الاستيراد ، وشهد سوق الصرف خلال اليومين الماضيين اضطرابًا حادًا نتيجة مضاربات ، وهو ما أدى إلى انخفاض مفاجئ في سعر الصرف. تدخل البنك المركزي على اثره وأوقف هذا التدهور مؤقتًا عبر إجراءات مباشرة ، لكنه كشف هشاشة السوق وشدة الصراع على الكتلة النقدية الأجنبية والمحلية.
هذا الوضع يزداد تعقيدًا مع قرب صرف المرتبات للجهاز الإداري للدولة بشكل عام (المتضخم عدديًا) بينما السيولة المحلية لدى البنك المركزي شبه منعدمة.
اولاً : ماذا يعني صرف المرتبات + مزاد بيع الدولار الآن؟
الآلية الفعلية لصرف المرتبات : الحكومة والبنك المركزي يحتاجان ريالًا يمنيًا بينما كتلة الريال المتاحة شحيحة داخل الجهاز المصرفي، فيلجآن إلى بيع الدولار بالمزاد للبنوك لكي يُستخدم لصرف المرتبات لمنتسبي اجهزة الدولة (إدارية /عسكرية /أمنية ) ، وهذا له تأثير مباشر وغير مباشر على المعروض النقدي المحلي و الأجنبي وصولاً للتأثير على العرض والطلب على الدولار .
• قراءة وصفيّة :
1- قبل إعلان المزاد لبيع الدولار : المضاربون وبعض شبكات الصرافة يحاولون خفض السعر مؤقتًا لشراء عملة أجنبية أرخص تحسبًا لارتفاعها لاحق بعد استنزاف المعروض وهذا يفسّر التذبذب الذي حصل قبل يومين ، والمتسق مع حملات البنك المركزي على مضاربات الصرافة مؤخرًا.
2- وقت المزاد/بعده مباشرة: إذا كان حجم مزاد بيع الدولار كبيرًا وتغطيتُه مرتفعة، يدخل قدر ملحوظ من الريال إلى المركزي ويخرج قدر من العملة الأجنبية من حيازته إلى البنوك؛ هذا يهدّئ السوق مؤقتًا اذا ترافق مع رقابة نشطة ، أما إن كان حجم المزاد أقل من الاحتياج لصرف متأخرات رواتب شهرين وأكثر فسيظهر عطش للريال لدى البنوك/الصرافين وطلب لاحق على الدولار لإعادة مراكزهم، فيضغط على السعر صعودًا.
3- صرف بعض المرتبات بالعملات الأجنبية لبعض التشكيلات العسكرية والأمنية قد يرفع العرض الفوري من العملة الأجنبية في السوق الثانوية، لكنه أيضًا يرفع الطلب على الدولار لدى الصرافين الذين يعيدون موازنة محافظهم المالية ، فتتحدد النتيجة النهائية وفق إدارة السيولة ( حجم النقد المتداول ) .
• قراءة تحليلية واستنتاجية :
1- المضاربة: المضاربون سيحاولون استغلال أي فجوة بين السعر الرسمي في مزاد بيع الدولار لصرف المرتبات وسعر السوق.
2- الفجوة بين حجم المزاد والاحتياجات الفعلية: إذا لم يكن المزاد كبيرًا بما يكفي لتغطية المرتبات، سيعود الضغط على السوق سريعًا.
3- توقيت فتح لجنة تنظيم الاعتمادات المستندية : أي ان تزامن إعلان مزاد صرف المرتبات وفتح اعتمادات استيرادية من قبل اللجنة الوطنية لتنظيم الاستيراد يزيد الضغط على الدولار.
4- ضعف التنسيق المؤسسي: غياب آلية محكمة بين البنك المركزي واللجنة الوطنية لتنظيم الاعتمادات قد يؤدي إلى تضارب في الأولويات.
ثانياً : دور اللجنة الوطنية لتنظيم فتح الاعتمادات ( وهذا لعب دور جوهري لتخفيف الطلب غير الضروري على العملة الدولار) .
- إدارة ملف الاستيراد وضبط حجم الطلب على العملات الأجنبية يقع ضمن مهام اللجنة ، وأي خلل أو ضعف في التنسيق مع البنك المركزي عند صرف المرتبات قد يؤدي إلى فوضى في السوق وزيادة الطلب على الدولار فوق قدرة المزادات على التغطية ، كما ان سادة الطلب على الدولار مثلاً عندما يخصَّص جزء كبير من الاحتياطي في البنك المركزي او تدفقات العملة الأجنبية من ( الصادرات او الدعم من خلال الودائع الممنوحة) لصرف مرتبات بمزاد بيع الدولار ، فسيكون أمام اللجنة حيّز أضيق لتمويل اعتمادات الاستيراد، وهذا ما يفرض:
1- تشديد المفاضلة على السلع الأساسية أولاً
2- إبطاء/تأجيل فتح اعتمادات لسلع غير أولوية.
- إذا أحسنَت اللجنة التوقيت والتنسيق مع جدول المزادات لصرف المرتبات سواء المرتبات التي تصرف عبر إعلان مزادات بيع الدولارات او المرتبات التي تدفع للتشكيلات العسكرية والأمنية بعملات اجنبية ( إذا احُسن جدولة فتح الاعتمادات للاستيراد بعد مزادات كبيرة وبأسعار إرشادية واضحة)، فإنها لن تتضرر بل تستفيد من الاستقرار المرحلي الذي تمنحه المزادات ، أمّا إذا فُتحت اعتمادات واسعة بالتزامن مع مزادات صرف مرتبات كبير ومن دون مزاد وافر/مغطى جيدًا، فسيرتفع الضغط على الدولار ويضعف الريال.
ثالثاً: هل يمكن أن تقود هذه المتغيرات بأبعادها إلى انهيار للعملة؟
الانهيار ليس حتميًا ان يرتفع بل احتمال التذبذب الحاد لا الانهيار الكامل إذا توافرت ثلاثة شروط معاكسة:
1- حجم مزادات لبيع الدولار محدود مقارنةً بفاتورة المرتبات المتراكمة .
2- تراخي رقابي يسمح بإعادة تنشيط المضاربات القوية .
3- فتح اعتمادات استيراد واسعة دون ضبط الأولويات/التوقيت.
* لدينا دلائل أن الإجراءات الرقابية والمزادات قادرة على تحسين سريع عندما تُنفَّذ بقوة ، وقد حدث ذلك مطلع أغسطس حيث تعافى الريال بشكل لافت بعد ضبط المضاربة وإعلانات تنظيم الاستيراد ، هذا يثبت أن السياسة النشطة تؤثريشكل واضح وملموس.
*مقاربات لابد منها :
1- إذا كَبُرَ المزاد وتغطّي بنسبة عالية، مع تشديد على شركات الصرافة والبنوك التجارية وبنوك التمويل الأصغر، وتنسيق وثيق مع لجنة تنظيم الاستيراد ، فالمرجّح استقرار/تذبذب محدود لا انهيار.
2- إذا حدث العكس، فسنرى ارتدادًا صعوديًا قويًا في الدولار، لكن الانهيار يحتاج ايضاً فقدانًا واسعًا للثقة أو استنزافًا سريعًا للمعروض الأجنبي وهو سيناريو أخطر لكنه ليس الأقرب في المدى القصير.
* ثلاثة سيناريوهات للأسابيع الأربعة القادمة (ترجيحات نوعية)
1- السيناريو الاقرب : استقرار مُدار بتذبذب .
. مزادات بحجم كافٍ + رقابة على الصرافة + تنسيق مع لجنة تنظيم الاستيراد .
. نطاق محتمل لسعر الدولار: 1,700–2,100 ريال مع تذبذبات يومية.
. مطلوبات مهمة : استمرار حملات الإيقاف/التعليق للصرافات غير المرخصة وتفعيل إجراءات لجنة تنظيم الإستيراد .
2- سيناريو إيجابي: تحسّن إضافي في سعر الصرف
. مزادات أكبر + مشاركة مصرفية أعلى + شفافية في النتائج + ترشيد قوي للاعتمادات.
. نطاق محتمل لسعر الدولار : 1,500–1,700 ريال (مرحليًا).
. مطلوبات مهمة : رسائل طمأنة، نشر تغطية المزاد، وتدفّقات خارجية/منح إن وُجدت .
3- سيناريو سلبي: ارتداد سلبي
. صرف كتلة مرتبات كبيرة جدًا مع مزاد ضعيف التغطية + نشاط مضاربين + فتح اعتمادات واسعة بلا تنسيق.
. نطاق سعر صرف الدولار : 2,300 وربما إلى 2,700 إذا تكررت صدمات الطلب وهو مستوى شهدناه سابقًا.
*مؤشرات مبكرة يجب مراقبتها يوميًا/أسبوعيًا
. حجم كل مزاد، نسب التغطية، والسعر المرجعي المعلن من المركزي. (كلما زادت التغطية انخفض خطر الارتداد).
. الفجوة بين السعر الرسمي/مزادات بيع الدولار والسوق الموازي (اتساعها ينذر بمضاربة).
. إعلانات/قرارات اللجنة الوطنية حول أولويات فتح الاعتمادات وتوقيتاتها.
. الإجراءات الرقابية على شركات الصرافة (تعليق/إغلاق/غرامات) كلها تقلل تقلبات السعر.
. أخبار عن تدفقات خارجية/منح أو عقوبات/قيود مصرفية دولية تؤثرعلى القنوات (بيئة المخاطر المحيطة).
رابعاً : توصيات عملية (لصناع القرار)
1- تجزئة صرف المرتبات على دفعات أسبوعية بدل صرْف كتلة مزدوجة في أيام معدودة، لتوزيع الأثر السعري.
2- مواءمة تقويم المزادات مع جدول الصرف على دفعات (مزاد كبير قبل كل دفعة صرف بـ24–48 ساعة، مع إعلان مسبق للسوق).
3- شفافية مزادات أعلى: نشر حجم العطاءات المقبولة/المرفوضة ومتوسط الأسعار لرفع الثقة وخفض الشائعات.
4- تنسيق فني مع اللجنة: عدم فتح اعتمادات كبيرة لغير الأساسيات خلال جدول دفعات صرف المرتبات، مع نشر قائمة أولويات واضحة.
5- استمرار الحزم الرقابي على شبكات المضاربة (تعليق/إغلاق غيرالمرخّص، تتبّع التدفقات النقدية وحجم التداول النقدي المحلي والأجنبي ).
6- أدوات امتصاص سيولة بعد صرف المرتبات(مثل أذون / سندات حكومية قصيرة الأجل للبنوك) لتقليل إعادة تدوير السيولة إلى مضاربات.
7- قنوات بنكية لصرف المرتبات (حسابات/بطاقات وتوقف الكاش) للحد من التسرب إلى السوق الموازي سريعًا.
خلاصة نهائية:
1- صرف المرتبات مع مزادات بيع الدولار لن يقود آليًا إلى انهيار؛ بل يمكنه تحقيق استقرار مرحلي إذا كان حجم المزاد كافيًا والتنسيق مع اللجنة الوطنية للاستيراد محكمًا والرقابة على المضاربة فعّالة.
2- الخطر الحقيقي ليس في الصرف نفسه، بل في الفجوة بين حجم المزاد واحتياجات صرف المرتبات + توقيت فتح الاعتمادات للاستيراد + سلوك المضاربين.
ومع تطبيق الحزمة أعلاه، أتوقع تذبذبًا مُدارًا لا انهيارًا، مع ضرورة متابعة وتقييم المؤشرات المذكورة يوميًا وأسبوعيًا .