الشهيد اللواء الركن عمر علي العيسي... قائد نذر حياته للوطن واستشهد في ميادين الشرف (سيرة ذاتية)
في يوم الجمعة 23 من شهر أكتوبر عام 2009م، ودّعت اليمن أحد أبرز قياداتها العسكرية الميدانية، اللواء الركن عمر علي محمد #العيسي، الذي استشهد وهو يؤدي واجبه الوطني في محافظة صعدة، تاركًا خلفه سجلًا حافلًا بالتفاني، والشرف العسكري، والنزاهة النادرة.
من مكيراس إلى قيادة الجيش
وُلد الشهيد في منطقة آل بركان، مديرية مكيراس بمحافظة أبين، ونشأ في كنف أسرة العيسي التي أنجبت على مدى عقود نخبة من الوطنيين والمجاهدين في مختلف مجالات الخدمة العامة، من التعليم إلى النقابات إلى صفوف القوات المسلحة.
منذ التحاقه بالسلك العسكري، أظهر الشهيد عمر العيسي كفاءة عالية أهلته لتولي مناصب قيادية بارزة، بدأت من قيادة سرية في اللواء 25 مشاة ثم ركن عمليات في نفس اللواء، مرورًا بعمله كأستاذ في كلية القادة والأركان، وصولًا إلى رئاسة شعبة العمليات في دائرة العمليات الحربية، ثم نائبًا لمدير دائرة العمليات، ثم مديرًا لمركز القيادة والسيطرة بوزارة الدفاع.
وفي المرحلة الأخيرة من حياته، كلّفته القيادة العليا بقيادة اللواء 103 مشاه، ليقود إحدى الجبهات الشرسة في محافظة صعدة.
قائد ميداني بصفات نادرة
لم يكن اللواء العيسي قائدًا عاديًا، بل شكّل استثناءً في زمن باتت فيه النزاهة والمبادئ سلعًا نادرة. عُرف عنه زهده، ورفضه لاستغلال منصبه لأغراض شخصية، كما شهد له زملاؤه ومرؤوسوه بعدالته وانحيازه الدائم لمصالح جنوده.
يقول أحد القادة العسكريين: "لم يكن عمر يحب المال، ولا يسعى لكسب سهل في وقت كان ذلك متاحًا، بل كان يمنح مكافآته لمن يعملون تحت قيادته بكل إخلاص ورضا."
ثقة القيادة السياسية والعسكرية به كانت مطلقة، حيث كُلف بأكثر المهام تعقيدًا، وكان دائمًا عند حسن الظن. وقد كان اللواء العيسي محل ثقة وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان وحتى رئاسة الجمهورية، حيث وصفه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بأنه:
"فارس شجاع وقائد وطني متفانٍ، سجل مآثر بطولية وأدى واجبه بشرف."
ملحمة استشهاد... ووداع مهيب
في يوم 23 أكتوبر 2009م، وبينما كانت مجموعة من جنود اللواء 103 مشاه محاصَرين في جبل الصمع بمحافظة صعدة، قاد الشهيد بنفسه مهمة فك الحصار، دون أن يكتفي بإصدار الأوامر من الخلف. وفي لحظة بطولية، استُهدف بقذيفة (RPG) أردته شهيدًا في ساحة المعركة.
وقد نُقل جثمانه إلى المستشفى العسكري بصنعاء، ليُشيّع في موكب جنائزي مهيب حضره كبار رجال الدولة، بينهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ونائب الرئيس عبدربه منصور هادي، ووزير الدفاع وعدد من كبار القيادات العسكرية والبرلمانية، وذويه ورفاقه في السلاح.
وحُمِل جثمانه ملفوفًا بالعلم الوطني فوق عربة عسكرية، فيما تقدّمه ضباط شرف يحملون صوره والأوسمة التي نالها، قبل أن يُوارى الثرى في مقبرة الشهداء بالعاصمة.
ما بعد الرحيل... دعوة للتوثيق
بعد استشهاده، رُقّي إلى رتبة لواء ركن تكريمًا لتاريخه البطولي. ودعا عدد من القادة العسكريين والمفكرين إلى توثيق تجربته الغنية، من بينهم العميد الركن علي ناجي عبيد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، الذي طالب بتحويل سيرة الشهيد إلى دراسة بحثية تُدرّس وتُخلَّد للأجيال القادمة.
رحل قائد... وبقيت القيم
رحل اللواء الركن عمر العيسي، لكن القيم التي زرعها ستظل باقية: الوفاء، النزاهة، الشجاعة، وحب الوطن. هو ليس فقط شهيدًا سقط في الجبهة، بل قصة ملهمة لقائد عاش شريفًا واستشهد بشرف.
(( السيرة الذاتية للشهيد البطل اللواء الركن عمر علي محمد العيسي))
الاسم الكامل | اللواء الركن عمر علي محمد العيسي
الرتبة؛| لواء ركن
تاريخ الاستشهاد | الجمعة، 23 أكتوبر 2009م
مكان الاستشهاد | جبل الصمع، محافظة صعدة – الجمهورية اليمنية
مكان الدفن | مقبرة الشهداء – م/ صنعاء
#النشأة والبدايات :
وُلد الشهيد عمر علي محمد العيسي في منطقة "آل بركان" بمديرية مكيراس، محافظة أبين، جنوبي اليمن، وينتمي إلى قبيلة "العواذل"، إحدى القبائل المعروفة بتاريخها الوطني ومواقفها المشهودة في الدفاع عن الوطن.
نشأ في كنف أسرة "العيسي" العريقة التي قدّمت على مدى عقود عدداً من أبنائها شهداء في ميادين الشرف المختلفة: العسكرية والتعليمية والنقابية. وترسّخت في شخصيته منذ صغره القيم الأصيلة للوفاء، والتضحية، والانتماء الوطني.
#المسيرة العسكرية :
التحق الشهيد مبكرًا بالسلك العسكري، حيث بدأت رحلته الحافلة بالعمل الميداني في جنوب اليمن، وشغل عدة مناصب قيادية في القوات المسلحة اليمنية، منها:
قائد سرية في اللواء 25 مشاة
ركن عمليات في اللواء ذاته
مدرّس في كلية القادة والأركان، حيث ساهم في تأهيل أجيال من الضباط اليمنيين
رئيس شعبة العمليات في دائرة العمليات الحربية
نائب مدير دائرة العمليات الحربية بوزارة الدفاع
مدير مركز القيادة والسيطرة في وزارة الدفاع
قائد اللواء 103 مشاة (آخر منصب شغله حتى لحظة استشهاده)
تمت ترقيته بعد استشهاده إلى رتبة لواء ركن تقديرًا لتاريخه العسكري المشرّف وتضحياته.
#خصاله وصفاته القيادية :
عُرف الشهيد عمر العيسي بين زملائه ومرؤوسيه بأنه قائد ميداني من الطراز الأول، يتمتع بكفاءة عالية وشجاعة استثنائية، فضلاً عن تحليه بالتواضع ونزاهة اليد، وهي صفات قلّ أن تجتمع في قائد.
كان محبوبًا من قبل الجميع، من الجنود البسطاء إلى كبار القادة، لما عُرف عنه من عدالة في اتخاذ القرار، وحرص على إعطاء كل ذي حقٍ حقه. لم يكن محبًا للمال ولا باحثًا عن مكاسب شخصية، بل كان يرى في المنصب تكليفًا لا تشريفًا، وفي المسؤولية أمانة لا مغنمًا.
ثقته الكبيرة بنفسه كانت محل احترام وثقة رؤسائه، حيث كلّفوه بمهام صعبة ومعقدة، وكان دائمًا عند حسن الظن، يؤدي واجبه بصمت وإخلاص.
#بطولته الأخيرة والاستشهاد :
في يوم الجمعة الموافق 23 أكتوبر 2009م، وأثناء قيادته لقوات اللواء 103 مشاة، بادر الشهيد البطل بفك الحصار عن مجموعة من جنوده المحاصرين في جبل الصمع بمدينة صعدة، شمال البلاد. وبينما كان يقود بنفسه عملية الإنقاذ، استُهدف بقذيفة (RPG) أدت إلى استشهاده في الميدان، مضربًا أروع الأمثلة في التضحية والبسالة.
تم نقل جثمانه الطاهر إلى المستشفى العسكري بصنعاء، ليوارى الثرى في مقبرة الشهداء في موكب جنائزي مهيب.
#التشييع والتكريم الرسمي :
شهدت العاصمة صنعاء يوم السبت الموافق 24 أكتوبر 2009م، تشييعًا رسميًا مهيبًا لجثمان الشهيد، تقدم موكب التشييع كل من:
فخامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح
نائب الرئيس آنذاك عبدربه منصور هادي
وزير الدفاع اللواء ركن محمد ناصر أحمد
وزير الداخلية اللواء ركن مطهر رشاد المصري
رئيس هيئة الأركان اللواء ركن أحمد علي الأشول
وعدد كبير من كبار المسؤولين والقيادات العسكرية، وأبناء الشهيد وأسرته ورفاقه.
وقد لُف جثمانه بعلم الجمهورية، وحُمل في عربة عسكرية مزيّنة بصوره وأوسمته، في مشهد وداع يليق بتاريخه وتضحياته.
#الإرث والخلود :
رثاه زملاؤه وقادته بكلمات خالدة، واعتُبر مثالًا نادرًا للقائد الذي جمع بين الشجاعة، والإخلاص، والنزاهة، والإنسانية. دعا بعض القادة إلى توثيق سيرته ونقل تجربته للأجيال القادمة، لما فيها من دروس قيادية ووطنية وإنسانية.
كتب عنه العميد الركن علي ناجي عبيد، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، مؤكدًا ضرورة تحويل مسيرة حياته إلى نموذج بحثي وتوثيقي يُدرّس ويُنشر.
#الحياة الشخصية :
كان الشهيد عمر العيسي رب أسرة كريمة، متزوج وله أولاد وبنات. ترك خلفه إرثًا من القيم النبيلة، وسيرةً عطرة ستظل مصدر فخر لعائلته وللجيش اليمني وللوطن بأسره.
#ختامًا :
الشهيد اللواء الركن عمر علي محمد العيسي، لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رجل دولة حمل هم الوطن في قلبه، ودفع حياته ثمنًا للدفاع عن جنوده وأرضه. مضى إلى ربه بشرف، كما عاش بشرف.
رحم الله الشهيد القائد، وأسكنه الفردوس الأعلى.