بسبب العمر.. عازبات تسلب حقوقهن

تقرير : رشيد سيف

 

تفاقم الصراع العسكري في اليمن طوال تسع سنوات أوغل في حيوات كافة الفئات، لكن نساء الريف ممن تجاوزن سن الثلاثين"غير المتزوجات" يواجهن مصاعب مضاعفة.

تعاني هؤلاء النسوة انتهاكات متنوعة، أبرزها الحرمان من الحقوق والموارد، والإيذاء اللفظي والمعنوي، بل ومنع المساعدات الإنسانية، الأمر الذي تصنفه الأمم المتحدة على أنه ضمن سلسلة الانتهاكات المتصلة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والذي تسعى للحد منه.

تستند هذه الانتهاكات على معايير اجتماعية تقليدية ترى في النساء غير المتزوجات أقل قيمة. غالبا ما يحرمهن الميراث ويمنعن من موارد أساسية كالتعليم والرعاية الصحية.

حياةٌ صعبة ومأساوية تلاحق هؤلاء النسوة، كمريم التي فقدت والديها فأصبحت وحيدة عاجزة عن تأمين احتياجاتها. وعندما طالبت بحقها بالميراث تعرضت للتنمر من عائلتها وحرمت من المساعدات الإنسانية.

مريم واجهت تعنيف لفظي من الذكور في أسرتها فقط لأنها طالبت باملاكها بعد وفاة والديها وهي واحدة ضمن الكثير من النساء، تقول :" بعد وفاة أبي وأمي أصبحت وحيدة وعجزت عن توفير احتياجاتي"، مشيرة إلى أنها اضطرت لمطالبة أسرتها بتقسيم الميراث لتتمكن من كبح الفقر والعجز بالتزامن مع ارتفاع الأسعار جراء تفاقم الأزمة المالية التي خلفتها الحرب في البلاد.

تواصل مريم حديثها مع معد التقرير:"فقدت كل شيء ولم يقف أحد بجانبي، حتى المساعدات الإنسانية منعت عني بحجة أنني وحيدة ونقلت إلى شقيقي بعد أشهر من رحيل والدتي".

يرى حقوقيون أن هذه الانتهاكات خرق صارخ لحقوق الإنسان وتضاعف معاناة نساء الريف غير المتزوجات وعلى الحكومة والمجتمع المدني يقع واجب حماية حقوقهن وضمان حياة كريمة لهن.

وفي هذا السياق علقت وفاء سعد طلحة وهي مستشارة ومعالجة نفسية بالقول": الكثير من حالات الاضطرابات النفسية منها الاكتئاب والقلق والفوبيا وتدني تقدير الذات وقد توصل إلى حالات الانتحار ، يعاني منها النساء اللاتي يتعرضن للعنف، واللامبالاة واغتصاب حقوقهن من قبل ذكور العائلة".

وتابعت :" بالطبع هذا نتاج للأساليب الوالدية الخاطئة" مشيرة إلى التميز في التربية بين البنت والولد حيث أن الولد يباح له المحظورات والبنت لا تستطيع الحصول على أبسط الحقوق".

وأضافت:" حصل هناك تفاوت في هذا الأمر فقد تم القضاء عليه منذ الثمانينات في تفعيل قانون الأسرة ولكن للأسف في ظل غياب القانون في وقتنا الحالي حصلت مثل هذه التجاوزات".
ونوهت المختصة النفسية إلى أن هذا الكلام لا يمس الكل ولكن يوجد حاليا مثل هذه الممارسات".

وفي هذا الصدد، قال الدكتور ماهر شير علي، اختصاصي علم الاجتماع، وعلم الاجتماع النفسي إن التقدم في العمر بالنسبة للنساء غير المتزوجات سبب من أسباب النبذ الاجتماعي في بعض المجتمعات، وخاصة المجتمعات النامية.

وواصل:"تنظر بعض المجتمعات إلى المرأة العازبة باعتبارها مذنبة بغير ذنب، وهي عرضة لمجموعة من العوامل المؤثرة التي جعلتها في هذا السن أو في سن كبير وغير متزوجة، قد يكون بعدها اجتماعي، حيث تتزوج المرأة من ذات المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي للأسرة، وهو عبء لا تتحمله المرأة عادة، بينما يتحمله المجتمع، ونظرة المجتمع لها، وكذلك أولياء أمور المرأة ذاتها".

وبحسب دكتور الاجتماع فأن التأخر في الزواج يأتي لعدة عوامل، أبرزها العامل الاقتصادي عند الرجل والبيئة الاجتماعية والمستوى التعليمي للإناث، وقد يكون  في بعض المجتمعات العامل طبقي.

وأكد أن كبر السن سبب من أسباب التعنيف ضد المرأة، حيث تلجأ بعض الأسر إلى حرمان المرأة العازبة من الميراث، ومن وصول المساعدات المالية لها، ومن حقوقها المادية والمعنوية. كما أنها تنظر إليها من منطلق أنها أصبحت عالة على الأسرة، أو فرد من أفراد الأسرة الزائد عن الحد الذي لا يحمل رسالة مستقبلية أو نسب أو نسل لهذه الأسرة.


ووفقا لحديثه فأن النساء العازبات يواجهن آثار سلبية، ويصبحن في زاوية نفسية ضيقة وصعبة، تجعل التعاملات الأسرية معهن تتسم بالتقليل من شأنهن وعدم احترامهن. كما أن الأمر يشعرهن بالنقص والعجز، مما قد يدفعهن إلى اتخاذ قرارات خاطئة، مثل الهروب من المنزل أو الزواج من شخص لا تحبه.

يستطرد اختصاصي الاجتماع:" عدم الارتباط بالنسبة للنساء أكثر انتشارا في المناطق الريفية، حيث تكون المرأة هناك أكثر عرضة للضغوط الاجتماعية والاقتصادية. كما أن النظرة المجتمعية للمرأة العازبة_ المتقدمة في العمر _ في المناطق الريفية أكثر سلبية من النظرة المجتمعية لها في المدن".

وعن تأثير النزاع والأزمات الاقتصادية على معاناة النساء العازبات، يقول الدكتور ماهر أنها تزيد من حدة العنف ضدها، وتحرمها من حقوقها. كما أن النزوح بسبب الحروب يؤثر بشكل مباشر على المرأة العانسة، حيث تصبح عالة على الأسرة النازحة، وينظر إليها المجتمع نظرة دونية.

ويقع على عاتق الحكومة والمجتمع المدني دورٌ أساسي في تشريع قوانين تحمي حقوق هؤلاء النسوة، بما فيها الميراث والموارد الأساسية إلى جانب توعية المجتمع بأهمية حماية حقوقهن وتوفير الدعم لهن، كالتمكين التدريبي والدعم المالي.

"تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان".