ذكورة إيجابية بلا امتيازات.. طريقة لتحقيق المساواة الجندرية



من ساعات وقتي الجميلة تلك التي أقضيها بالبحثِ والمتابعة لقضايا المجتمع، خاصة ما يتعلق بالمرأة ومناصرتها من قِبل حليفها الرجل، وتشجيعه لها متجاوزًا للتحديات، رغمًا عن كلِ الظروف، وبصفتي امرأة، وقف بحثي على منصتي 30(١)؛ نظرًا لجهوده التي كرسها في التوعية المجتمعية، والمساواة بين الجنسين -منذُ نشأته الأولى-، ووجدت أن النضال الذي يبذله اتجاه تحسين مكانة المرأة من خلال تعزيز مفهوم الذكورة الإيجابية، بإعادة النظر في سلطة العلاقة بين الجنسين، وفق هوية ذكورية منسجمة مع ذاتها، تدافع عن قيم اللاعنف؛ أدى إلى نتائج ملموسة لا يمكن إنكارها، وتحقيق رؤية نسوية واضحة لتمكين النساء، ومناصرتهن من قبل الذكور الإيجابيين.
وعلى الرغم من التنشئة اليمنية التقليدية التي جعلت ملايين الذكور على مستوى عالي من الغرور، يدينون النظام الأبوي البطريركي الذي يرى أن الاختلاف البيولوجي بين الذكر والأنثى يقتضي باللا مساواة، إلا إنَّنا نرى ثمار التغيرات على المستوى الاجتماعي والثقافي والتربوي للحد من الذكورة التسلطية المهيمنة، وأصبح المجتمع اليمني على قدم المساواة يحقق إنجازات ليست من قبل النساء، بل من قبل  الذكور الإيجابيين، كانوا حلفاء لنجاحات عظيمة حققتها المرأة، سواء كانت زوجة، ابنة، أخت، أم.
وبعيدا عن وسائلِ الإعلام وتأثيرها، وجدتُ رجال فهموا هويتهم جيدًا، وعرفوا دورهم الاجتماعي منذُ نعومة أظافرهم، وأدركوا أن مشاركةَ النساء لهم في أدوارهم الفردية والمجتمعية، وفي اتخاذ قراراتهم، ومساعدتهم لهن ولمتطلباتهن؛ ستخفف عنهم الضغط الذي فرضه عليهم المجتمع التقليدي بالصورة النمطية المهيمنة واسعة الصلاحيات، وكانوا خير نماذج يحتذى به للذكورة الإيجابية.
 دعوني أحدثكم عن زوج زميلتي الإعلامية "إيمان رامي" المهندس "سليمان الجداري"-من أولاد المعلا- عندما قررت "إيمان"التوقف عن الإنجاب والاكتفاء بولدها "يمان" حتى تكمل دراستها في كلية الإعلام،  هنا برزت إيجابية "سليمان" عندما وافق "إيمان" القرار باعتبار أن مسؤولية الإنجاب وتنظيم الأسرة مشتركة بين الزوجين، في الوقت نفسه عمل "سليمان" على رعاية "يمان"ومذاكرة دروسه والتقرب منه، والقضاء معه وقتًا أطول عند غياب "إيمان" من سنتها الأولى جامعة، حتى الساعة الأخيرة من تخرجها. غير مهتم بمجتمع يولي الرجل الاهتمام الأول في تحديد فترة الإنجاب، دون مراعاة لحياة ومستقبل الأم.
يبدو أنه لكي يتمتع الرجال بالذكورة الإيجابية، وبعض التنازلات اتجاه النساء، والأطفال وحتى الرجال أنفسهم، يجب أن يمتلكوا البعد الإنساني الممزوج بالعاطفة والرحمة، والمتحرر من تلك الصلاحيات الواسعة، وذلك لا يكون إلا من خلال التنشئة الاجتماعية باعتبارها المجال الأول لخلق ذكور إيجابيين، والأبوة الإيجابية بإدارة الحياة الأسرية باعتبارها المجال الثاني، وتتمثل الأولى بالبناء الاجتماعي والتشكيل الثقافي للهوية الرجولية، والذي تساهم فيه مؤسسات التنشئة الاجتماعية، والمدرسة والإعلام، والأسرة.
وبالحقيقة وجدت أسر نموذجية السلوك في تربية أطفالها، يبدو من الوهلة الأولى أنها تغرس فيهم الإنسانية والرحمة والتعاون، بعيدًا عن النظام الأبيسي الذي يغذي النمطية الذكورية المقدسة نتيجة الوعي الجمعي، ناهيك عن تشجيعهم بالقيامِ بأنشطة منزلية مثل تعليق ملابسهم وترتيبها، مسح مكان الأكل، تعويدهم على تقبل السقوط، والبوح بمشاعرهم لأهلهم، كل هذاْ؛ حتى لا يحصلوا مستقبلًا على الامتيازات الذكورية التي فرضها المجتمع باعتبار الذكر كائن مقدس، لا يساعد، ولا يسقط، ولا يعترف بمشاعره، ولا يبكِ.


وتتمثل الثانية، بممارسة الأبوة خارج ذلك الإطار التقليدي أُحادي البعد، اختزالي الغاية،الذي اختزل دور الأب بالتأديب واتخاذ القرارات، وتوفير المادة، أبوة تستجيب لاحتياجات الأبناء السلوكية، والعاطفية، والنفسية، وتشارك في رعاية الأولاد والاهتمام بهم، والقيام بالأعمال المنزلية المتعلقة بهم، وتؤدي الأخيرة إلى خلق ذكور إيجابيين يساهمون في تنمية المجتمع، سواء على المدى القريب بالتماسك الأسري، أو على المدى البعيد بتوطيد علاقة الأبوة من قبل الأبناء لأولادِهم، ودعم نسائهم في المستقبلِ.
أتفق أنا وملايين البشر مع الدراسات التي تقول: إن الآباء الذين يمارسون الأبوة بشكل إيجابي، خارج إطار الذكورة التسلطية، ويشاركون حياة أبنائهم المنزلية (تغير حفاضاتهم، تحضير وجباتهم المفضلة، مشاركتهم وقت الاستحمام، مذاكرة دروسهم، اللمسة الحنونة) هم أقل عرضة للقلق والاكتئاب، والانتحار، وممارسة العنف ضد زوجاتهم.
وأنا أكتب هذا المقال أسمع لأغنية "خلاص حسك تقولي روح" بصوت الفنانة الصاعدة "شجون اليافعي"، مرة أخرى أود أخباركم عن الذكرورة الإيجابية، عندما بدأ صوت "شجون" يخطف آذان المستمعين بلحنه البلبلي، حينها المجتمع استنكر "شجون" معرضين أن تكون المرأة فنانة، وبدأت التحريضات، والانتقادات تواجه "شجون"، هنا كسر أخوها "عاصم اليافعي" قيود المجتمع -وهو شرطي مرور- بإيجابيته التي كانت أقوى من المجتمع بأكمله، حيث دعم أخته، ووثق فيها، واعطاها حريتها الشخصية في اختيار مجالها، بل شاركها في كثير من المهرجانات والأمسيات الغنائية. بموقف"عاصم" وقناعته بأن الفن لم يكن يومًا مجالًا يحدده النوع الاجتماعي، كما يعتقده المجتمع؛ تمكنت "شجون" الوصول إلى الشهرة والحصول على جوائز كثيرة، وسمعت في شجون البصمة الفنية العدنية مثلما أنتم تسمعوها.
شخصيًا أنا أؤمن بدراسة الدكتور " عبد الصمد الديالمي"، - أقترح عليكم القراءة(٢)-، التي تقول: إن تمكين المرأة وتحقيق المساواة لا تكون من جانب النساء فقط، أو بالاحتفال بيوم المرأة العالمي و... بل  بتغيير الرجل أولًا، سواء بتنشئته الأولى، أو بإعادة نظرته في هويته ودوره.
وأخيراً فأنا أوجّه رسالتي إليكم معشر الرجال بأن شعور التصنّع بما لستم عليه؛ قد جعلكم بمنعزل عن إنسانيكم حقًا، وأن الغرور والقداسية المفرطة، والازدواجية بين (من أنتم حقًا)، (وما يجب عليكم)؟ قد جعلتكم لا تشعروا بالذنب...ستشعرون بالذنب إزاء هويتكم الذكورية المقدسة، وعندما تفشلون في إرضاء المجتمع ستشعرون مرة أخرى بميولات نحو العنف والعدوانية، عندها ستدركون مستوى المعاناة في بناء حياتكم بحرية وسعادة وسلام...