منوعات
قراءة في أسباب الهبوط المفاجئ في سعر صرف الريال ام الدولار ودلالاته الاقتصادية
اولاً: المقدمة
يُعد استقرار سعر صرف العملة الوطنية أحد أهم المؤشرات على قوة النظام النقدي والمالي في أي بلد في العالم ، وفي بلادنا شهدت الأسواق اليوم صباحاً الموافق 31/ 8 / 2025 م هبوطًا مفاجئًا في سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني، حيث تراجع من حدود 1617 ريالًا إلى 950 ريالًا خلال أقل من 48 ساعة. هذه الظاهرة غير المسبوقة أثارت تساؤلات واسعة حول طبيعة هذا التحسن المفاجئ، ومدى ارتباطه بالسياسات النقدية، أو بتأثيرات سياسية، أو بالمضاربة في السوق الموازية ( السوق السوداء) .
ثانياً : المشكلة التي يعالجها المقال
نرصدها في التساؤلات الاتية :-
1- هل يعكس الهبوط المفاجئ لسعر الدولار أمام الريال اليمني تحسنًا حقيقيًا في المؤشرات الاقتصادية؟
2- هل الهبوط المفاجئ نتيجة لمضاربات تهدف إلى زعزعة الرقابة التي يفرضها البنك المركزي على سوق الصرف؟
3- هل يمكن اعتبار الانخفاض المفاجئ انعكاسًا لصراع حول السيطرة على الكتلة النقدية المحلية في ظل غياب موارد حقيقية للعملة الأجنبية نتيجة توقف صادرات النفط والغاز؟
ثالثاً: أهداف المقال العلمي
نهدف من المقال العلمي إلى :-
1- تحليل العوامل المباشرة وغير المباشرة وراء الهبوط المفاجئ لسعر صرف الدولار.
2- دراسة انعكاسات هذه الظاهرة على الاقتصاد الكلي وعلى معيشة المواطن.
3- تقييم دور البنك المركزي وشركات الصرافة في التحكم بالسيولة النقدية.
4- تقديم توصيات عملية تساعد صانعي القرار على الرصد والحد من المضاربات النقدية.
رابعاً: المنهج العلمي للمقال
من خلال الاعتماد على المنهج الوصفي والمنهج التحليلي لوصف الظاهرة بالأرقام والأحداث الفعلية ، والتحليل النقدي لمقارنة بين الأسباب المعلنة والواقع الاقتصادي الفعلي ، وبالإضافة إلى المقاربة الاستنباطية لاستنتاج الدلالات الاقتصادية من غياب الصادرات الأجنبية وسيطرة السوق الموازي
خامساً: استنتاجات وتحليلات المقال العلمي :-
1- غياب الموارد الحقيقية للعملة الأجنبية حيث لم يتم استئناف تصدير النفط والغاز، ولا توجد صادرات توفر تدفقات للدولار ،مما يعني أن التحسن المفاجئ ليس نتيجة موارد حقيقية ، هو تغير نقدي ناتج عن تدخلات إدارية قصيرة الأجل.
2- تدخل البنك المركزي في السوق من خلال الإجراءات الأخيرة (إلغاء تراخيص صرافين، ضبط الحوالات، تشكيل لجنة وطنية للواردات) ساهمت في كبح الطلب مؤقتًا على الدولار، وطالما لا توجد صادرات نفطية أو موارد من الدولار بشكل رسمي تعزز من الاحتياطي النقدي ، فإن أي تحسن في قيمة الريال يظل هشًا وغير مستدام.
3- الصراع على الكتلة النقدية المحلية بين البنك المركزي وشبكات الصرافة السيطرة على الكتلة النقدية ، أصبحت أداة سياسية واقتصادية في آن واحد، مما يحول السياسات النقدية إلى جزء من الصراع بدلاً من كونها أداة للاستقرار.، وهو ما يعكس أزمة هيكلية في إدارة السيولة المحلية.
4- تشير سرعة التحسن لسعر الصرف التي طرأت مؤخراً لسعر الصرف وعدم استدامته إلى دور كبير للمضاربين الذين يستفيدون من التقلبات الحاصلة ، واستمرار هذا النمط من التقلبات يضعف ثقة المواطن في العملة الوطنية، ويعمق الهوة بين السعر الرسمي وواقع الأسعار في السوق .
5- غياب الأثر على أسعار السلع والخدمات حيث لم تنخفض بالشكل الموازي لنسبة الانخفاض في سعر الدولار امام الريال اليمني ، مما يعني أن المواطن لم يستفد، وأن الأثر ظل محصورًا في القطاع المالي والتجاري.
التوصيات :-
1- إرساء الشفافية النقدية: إصدار نشرات يومية من البنك المركزي لشرح أسباب تغيرات سعر الصرف.
2- إنشاء مرصد وطني للعملة: يتولى متابعة حجم الكتلة النقدية، والتدفقات الأجنبية، والمضاربات في السوق الموازي.
3- إصلاح قطاع الصرافة: دمج تدريجي لشركات الصرافة في الإطار المصرفي الرسمي مع تشديد الرقابة.
4- إدارة الكتلة النقدية المحلية بفاعلية: عبر سياسات نقدية تحد من التضخم وتمنع تركز السيولة في أيدي فئة محدودة.
5- ربط السياسات النقدية بالسياسات المالية: بما يضمن توازن العرض والطلب على العملة، ويحول دون الانفراد بالقرار من قبل المضاربين.
6- حماية المستهلك: ربط أسعار السلع الأساسية بسعر الصرف الفعلي من خلال آليات رقابية وتجارية ملزمة.
ختاما : يوضح المقال أن الهبوط المفاجئ لسعر صرف الدولار أمام الريال اليمني هو ظاهرة نقدية غير مستدامة، ترتبط أكثر بالصراع على السيطرة على الكتلة النقدية المحلية والمضاربة في السوق، وليس بتحسن حقيقي في الموارد أو الصادرات. لذا فإن استقرار العملة الوطنية مرهون بإصلاحات نقدية وهيكلية شاملة، تبدأ من تعزيز الشفافية والرقابة، مرورًا بإعادة هيكلة قطاع الصرافة، وصولًا إلى بناء موارد حقيقية للعملة الأجنبية عبر استئناف الصادرات وتنويع مصادر الدخل القومي.