أخبار

مخيّم السويداء في مأرب: صورة مصغّرة لمعاناة 4.8 مليون نازح يمني

المجال نت / خاص

 
من فارس السريحي 


وضع النازحين في اليمن، وسط التراجع الحاد في المساعدات الإنسانية وغياب التدخلات الفاعلة، نظرة ميدانية فاحصة لمخيم السويداء بمارب، حيث يعيش الآلاف ظروفًا مناخية وصحية ومعيشية قاسية في مقال مركّز للصحفي فارس السريحي على شبكة HPN.

في مخيّم السويداء مترامي الأطراف شمال مدينة مأرب في وسط اليمن، يعيش النازح حسين عبدالله عبد القوي زيد (38 عامًا) وعائلته وضعًا متأرجحًا بين تقلّبات المناخ القاسية ونقص المساعدات الإغاثية والإنسانية.

يقع المخيّم على بعد 8 كم من مدينة مأرب، ويمتدّ على منطقةٍ قاحلةٍ وخاليةٍ من أبسط مقوّمات الحياة. ويكتظّ المكان بنحو 2500 أسرة نازحة من مختلف المحافظات، ما يجعله  ثاني أكبر مخيّم نزوحٍ بمأرب التي تستضيف ثلثَي عدد النازحين في البلاد.


في شهر أكتوبر الماضي، زرتُ هذا المخيّم والتقيتُ بحسين وعددٍ من النازحين الذين تحدّثوا إليّ عن معاناتهم وعائلاتهم جرّاء ظروف الشتاء القاسية، وعن حاجتهم الملحّة لوسائل التدفئة في ظلّ غياب التدخّلات الإغاثية.

كان حسين نزح من محافظة تعز في جنوب غرب اليمن، إلى مخيّم الصمدة شمال مدينة مأرب، ومنه إلى مدينة حريب جنوب المحافظة، قبل أن يستقرّ في مخيّم السويداء في عام 2021. يُعيل الرجلُ أسرةً من ستّة أفراد، بينهم أربعة أطفالٍ تتراوح سنّهم بين أربع وستّ سنوات، ويعاني من إعاقةٍ تمنعه من العمل لتوفير متطلّبات أسرته.

أمام خيمته القماشية البالية، حدّثني حسين عن الظروف المناخية القاسية التي كابدها وأسرته في ظلّ نقص وسائل الوقاية، وقال “نعيش في هذه الخيمة ولا نملك سواها، بلا فراشٍ أو بطانياتٍ كافية. أدفّئ صغاري بالبطانيات القليلة المتوفرة، بينما أنام وأفراد العائلة الأكبر سنًا من دون أغطية”.

صالح عز الدين، نازحٌ خمسينيّ آخر، قال إنّ “حالة النازحين في المخيم متدهورة، لاسيّما كبار السّن. فالناس لا يقدرون على شراء احتياجاتهم، وكل يوم يمرّ تشتدّ معاناة الناس”. أما عبد الرحمن القدر، النازح أيضًا، فقال إنّ المخيّم يشهد انتشارًا كبيرًا لأمراض الحمّى، والزكام، والالتهابات، حتى بات المستشفى الميداني عاجزًا عن استيعاب الحالات لكثرتها. وأضاف أن الأُسر النازحة تفتقر إلى المواد الأساسية مثل الغذاء والمياه وأدوات النظافة الشخصية، والمأوى المناسب، والملابس، والأدوية الضرورية.

من جهته، أكّد مدير المخيم، عبده الغولي، كلام كلٍّ من صالح وعبد الرحمن، مشيرًا إلى أن “أغلب الأُسَر في المخيم لا تجد ما تدفّئ به أطفالها، لاسيّما النازحين الجدد الذين يعيشون بلا مأوى، فيما يذهب البعض إلى المستشفى ولا يجد العلاج اللازم أو يعجز عن تحمّل كلفته”.

في زيارتي، تحدّثتُ أيضًا إلى غالب عيّاش، معلّمٌ في مدرسة الكويت التي تعاني اكتظاظًا في الطلّاب ونقصًا حادًا في المعلّمين والمستلزمات التعليمية، فقال إنّ “التعليم هنا مهمّش جدًا… لا توجد مدارس كافية لاستيعاب الطلاب، والمعلّمين يعملون من دون رواتب. أنهَينا النصف الأول من العام الدراسي الحالي ولم نتسلّم سوى راتب واحد”. وفقًا لغالب، يختلف هذا المخيّم عن غيره من المخيّمات كونه يبعد كثيرًا عن المدينة والمرافق الخدمية، منتقدًا عدم تدخّل المنظّمات والجهات المعنية لتلبية احتياجات النازحين الأساسية.


أكبر أزمة إنسانية في العالم: أوبئةٌ وجوعٌ وحرمانٌ من التعليم والرعاية الصحّية

منذ عام 2014، يعيش اليمن حربًا مستمرّةً خلّفَت أكبر أزمةٍ إنسانيةٍ في العالم، ودفعَت بـ4.8 مليون شخص إلى النزوح، 80% منهم من الأطفال والنساء. ووفق خطة الاستجابة الإنسانية للعام الجاري، تعيل النساء ربع الأسر النازحة. وتشير بيانات الوحدة التنفيذية لإدارة مخيّمات النازحين (ديسمبر 2024) إلى أنّ ما يقارب ثلاثة ملايين نازح، أو حوالي نصف مليون أسرة، يعيشون بمناطق سيطرة الحكومة اليمنية المُعترَف بها  ، ويواجهون أوضاعًا قاسية تتضمّن التهديد بالإخلاء القسري، ونقصًا حادًا في المأوى والغذاء والمياه النظيفة. وفي حين لا يستطيع 73% من النازحين الوصول إلى الرعاية الصحية، يتهدّد الحرمان من التعليم مستقبلَ أكثر من مئة ألفِ فتاةٍ وفتى.

في الواقع، لا تزال موجات النزوح مستمرّةً بسبب النزاع المسلّح والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ففي يناير 2025، سجّلَت المنظمة الدولية للهجرة نزوح 138 أسرة، وكان الصراع دافعًا رئيسًا لنزوح أكثر من نصف تلك الأُسر. وتُعدّ الأزمة الإنسانية بمأرب الأسوأ في البلاد، حيث تحتضن المحافظة حاليًا 208 مخيماتٍ يسكنها حوالي 39 ألف أسرة. وإلى جانب هشاشة المأوى، فإنّ الطبيعة العشوائية لإنشاء هذه المخيمات وتوسّعها وافتقارها للتنظيم والبنية التحتية الملائمة لتصريف المياه، جعلتها بيئةً خصبةً لانتشار الأمراض والأوبئة الفتّاكة، بما فيها الكوليرا.

في حديثٍ معه، قال الدكتور علي علوان، طبيب الأطفال في مستشفى السويداء، إنه يستقبل بين 50- 70 حالة طفلٍ مريضٍ يوميًا بسبب ظروف النزوح، وكثيرٌ منهم يعاني التهاباتٍ في الصدر واللوزتَين، شاكيًا نقص الأدوية والكادر الصحي وندرة المواصلات والخدمات.

أما الدكتور مانع الجبري، مسؤول الترصّد الوبائي بالمستشفى، فقال إنّ المشفى “يستقبل بين 200- 220 حالة يوميًا، ويقدّم خدماته للنازحين مجانًا 100%، لكن لا يوجد دعم لتغطية احتياجات الناس، وبخاصّةٍ الأدوية والمحاليل”. بدوره، قال الدكتور خالد الشجني، مساعد مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب، إنّ أغلب النازحين بمأرب يعيشون في مأوى مهترئ، “فيتعرّضون للتغيّرات الجوية والمناخية والحرائق، وسط ضعف الاستجابة الإنسانية”، ما يفاقم حالات المرض والوفاة والمعاناة بين الفئات الأكثر تهميشًا، مثل النساء والأطفال وكبار السّن الذين يمثّلون أكثر من 70% من تركيبة السكان.

ارتفع عدد سكان مأرب من 306 آلاف نسمة عام 2014 إلى أكثر من ثلاثة ملايين عام 2022 – منهم 2.2 مليون من النازحين – ما خلّف ضغطًا شديدًا على الخدمات الأساسية. مثلًا، في عام 2024، واجهَت مأرب صعوبةً في تأمين الغذاء بزيادة 44%، ويُتوقع ارتفاعها بنسبة 25% هذا العام، حيث يحتاج حوالي 300 ألف أسرة إلى مساعداتٍ إنسانيةٍ عاجلة. وتشير خطط الاستجابة المحلية إلى تجاوز معدّلات سوء التغذية الحادّة عتبة الطوارئ العالمية بنسبة 15%  .

وفي سياقٍ متّصل، أشار برنامج الأغذية العالمي إلى استمرار تدهور الأمن الغذائي في اليمن، وقال إنّ أكثر من نصف الأُسر في البلاد عجزَت عن تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية في خلال شهر مارس 2025، محذّرًا من تفاقم الأزمة الإنسانية جرّاء تصاعد الصراع ونقص التمويل  . وفي وقتٍ يعاني فيه نحو نصف الأطفال اليمنيّين دون سنّ الخامسة من سوء التغذية، ويواجه 3.5 مليون طفلٍ وامرأة خطرَ سوء التغذية الحادّ، قال البرنامج إنه “لم يتمّ تمويل سوى 8% من خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2025 حتى الآن”.

تراجع التمويل الإغاثي وانسحاب المنظّمات الإنسانية فاقم الأزمة

وإلى جانب التدهور الاقتصادي، زاد من مخاطر الأمن الغذائي تراجع القوّة الشرائية للمواطنين، وانخفاض الإنتاج الزراعي، والاعتماد المتزايد على استيراد الأغذية؛ فيما يساهم استمرار الصراع، والتوتر الاجتماعي، وتزايد عدد النازحين، وتفتّت المؤسسات العامة في تفاقم الوضع. ومع بدء الولايات المتحدة حملة غاراتٍ جوّيةٍ مكثّفةٍ على مواقع جماعة الحوثي في اليمن منذ منتصف مارس الماضي، ردًا على استهداف الحوثيّين حركة الملاحة في البحر الأحمر، تحوّل الاهتمام المحلّي والدولي بشكلٍ كبيرٍ إلى التطوّرات العسكرية على حساب الأزمة الإنسانية.

وتتفاقم هذه الأزمة بسبب التراجع الحادّ في التمويل، حيث انخفض تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن بنسبة 43%، من 2.3 مليار دولار في عام 2022 إلى 1.3 مليار دولار عام 2024. وكانت المساعدات الأميركية تغطّي أكثر من نصف تمويل الخطة بمبلغ 768 مليون دولار، لكن مع انكفاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، انسحبَ من اليمن أكثر من عشر منظماتٍ إغاثيةٍ كبرى بشكلٍ كلّي ومفاجئ، ما زاد الظروف صعوبةً وتعقيدًا. وفي ظلّ هذا الواقع، حذّرَت منظمة “أطباء بلا حدود” مؤخرًا من أنّ اليمن يواجه خطر الانزلاق إلى أزمة مجاعة، بسبب تعليق المساعدات الغذائية وتراجع الإغاثة الإنسانية.

تمثّل مخيّمات النازحين في اليمن، كمخيّم السويداء بمأرب، شواهد حيّةً على حجم الفجوة الهائلة بين واقع الاحتياجات والمساعدات الشحيحة، حيث يدفع النازحون حيواتهم ثمنًا للإهمال الحكومي والخذلان الدولي. لإنقاذ هؤلاء، ثمّة حاجة ملحّة لزيادة التمويل الدولي وتوجيه التدخّلات بعنايةٍ لخدمة الفئات الأكثر تهميشًا، كي لا تضيع صرخاتهم في ضجيج حربٍ لا نهاية قريبة لها.

حوار سياسي جنوبي برعاية أوروبية يناقش مستقبل الجنوب في العاصمة الأردنية


المهرة: اختتام دورة تدريبية لطلاب وخريجي القانون بعنوان أساسيات مهنة المحاماة


برئاسة وزير الدفاع .. لجنة وزارية تقر عددا من الاجراءات لتأمين انسياب السلع ووقود الطاقة بين المحافظات


السفيرة البريطانية: الهجوم الحوثي على السفينة "ماجيك سيز" يقوض استقرار #اليمن