تقارير خاصة
#عشر_ذي_الحجة.. خير أيام الله
مجال نت - البيان
مع بداية شهر ذي الحجة، تُفتح أبواب السماء وتتنزّل النفحات، ليبدأ المسلمون حول العالم العدّ العكسي لأعظم أيام الدنيا، كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم، إنها الأيام العشر التي أقسم الله بها في كتابه العزيز، فقال سبحانه في سورة الفجر: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، وأجمع المفسرون على أنها عشر ذي الحجة، دلالة على مكانتها وفضلها.
ليست عشر ذي الحجة أياماً عابرة في رزنامة الشعائر الإسلامية، إنها فرصة إيمانية نادرة، تُضاهي في أجرها الجهاد في سبيل الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام"، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري.
ولأنها تشمل يوم عرفة، اليوم الذي يباهي الله فيه ملائكته بأهل الموقف، ويغفر فيه ذنوب عامين لمن صامه، فإنّ هذه الأيام موسم عتق وارتقاء، وفرصة لتجديد العلاقة مع الله، ومصالحة الذات، وتطهير النفس من أدرانها.
الصوت المرتفع للتكبير في الطرقات، والسعي المحموم إلى الطاعات، من الصدقة، وقراءة القرآن، وصلة الأرحام، والصيام، جميعها مظاهر لحالة روحية فريدة يعيشها المؤمن حين يدرك أن الزمن ليس متشابها، وأن بعض الأيام تصنع الفرق.
وفي ظل انشغالات الحياة الحديثة، تأتي عشر ذي الحجة لتوقظ في الإنسان المسلم إحساسه بالزمن المبارك، وتدعوه لأن يتوقف، ويعيد ترتيب أولوياته، ويملأ صحيفته في وقت تُفتح فيه أبواب الأجر على مصراعيها.
الرسالة الأهم في هذه الأيام تتجلى في الوعي بأنّ أبواب التوبة لا تُغلق، وأن العودة إلى الله لا تحتاج إلى معجزات، بل إلى نية صادقة واغتنام للفرص، وهنا تأتي هذه العشر لتكون بوابة للتغيير.
أعمال العشر
لا يكفي أن نعرف فضل عشر ذي الحجة، بل علينا أن ندخلها بقلب مشحوذ وعقل مستنفر وإرادة ماضية نحو العمل الصالح. ذلك أن هذه الأيام لم تُكرّم فقط لأجل ما فيها من مناسك، بل لما تحمله من فرص شاملة لإعادة بناء الذات وترميم العلاقة بالله عز وجل.
ومن أجل أن يحسن المسلم استقبال هذا الموسم، جاءت الشريعة بمجموعة من الأحكام والأعمال المستحبة التي تُضيء طريق السالكين:
1- التوبة.. نقطة الانطلاق
قبل أي عمل، تأتي التوبة؛ إذ لا معنى لاغتنام موسم الخير دون الإقلاع عن المعصية. فالذنوب تُظلم القلب وتغلق أبواب القرب، وقد قال النبي ﷺ:
"إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرّم عليه" [متفق عليه].. فمن أراد القرب، فليبدأ بالمفارقة.. مفارقة الخطأ.
2- الصلاة.. أساس الفضل
الصلاة، بكل فروضها ونوافلها، هي تاج الأعمال في هذه العشر. فمن حافظ على الجماعة، وأكثر من السنن، فقد أحيا نهاره وليله بما هو أحبّ إلى الله.
3- الحج والعمرة.. تاج العشر لمن استطاع
لا يعلو في هذه الأيام عمل على الحج والعمرة. فمن أكرمه الله بالوقوف في عرفة، فقد وقف في أعظم ميدان للمغفرة والفضل، ومن نوى الحج فليخلص، فإن النفوس تُطهّر قبل الأبدان في هذا الركن العظيم.
4- الصيام.. مغفرة عامين
صيام يوم عرفة لغير الحاج عبادة بمقام عامين من المغفرة. فقد قال ﷺ: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده" [رواه مسلم]، وفي صيام باقي أيام التسع فضل عظيم، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه لم يكن يدع صيامها كما قالت حفصة رضي الله عنها.
5- التكبير والتهليل والتحميد.. الذكر ثقافة
الذكر في هذه الأيام لا يُؤجل.. قال تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج: 28]، وقد فسّر العلماء الأيام المعلومات بأنها عشر ذي الحجة.
والتكبير نوعان:
•مطلق: يبدأ من دخول الشهر إلى آخر أيام التشريق، في كل الأوقات.
•مقيد: عقب الصلوات، وهو الذي يكون عقب الصلوات، والمختار: أنه عقب كل صلاة، أيًّا كانت، وأنه يبدأ من صبح عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق (اليوم الثالث عشر من ذي الحجة)، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
وصيغ التكبير المتنوعة كلها جائزة، ومنها:
•الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا
•الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
•الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
6-الأعمال الصالحة.. ميدان السباق
في عشر ذي الحجة، تُفتح أبواب الفضل على مصراعيها، ويتساوى الجميع في ميدان واحد: ميدان الطاعة.
الصلاة، الصدقة، قراءة القرآن، برّ الوالدين، صلة الأرحام، إصلاح ذات البين، قضاء حوائج الناس، الدعاء، الذكر، التبسم، إطعام الطعام، إكرام الضيف، كفالة الأيتام، زيارة المرضى، الذهاب إلى المساجد، والحرص على السنن الراتبة... كلها أعمال تُضاعف وتُزكى في هذه الأيام.
قال بعض السلف: العمل القليل في زمن فاضل، خير من الكثير في غيره.. وفي هذه الأيام الفاضلة، تتحول الأعمال اليومية البسيطة إلى جسور للآخرة.
7-الأضحية.. سنة إبراهيم
ويأتي يوم النحر، ليكون ذروة هذه الأيام.. ويُستحب فيه ذبح الأضحية تقرّباً إلى الله واتباعاً لسنة إبراهيم عليه السلام، التي أحياها النبي ﷺ.
ففي الحديث: "ضحّى النبي ﷺ بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما" [متفق عليه].
والأضحية شعيرة عظيمة، لا تقتصر على الذبح، بل تعبر عن الاستسلام الكامل، والامتثال لما أمر الله به من عبودية وتوحيد.
/أحمد الشنقيطي