أخبار
عدن… المدينة التي تحضن اليمن في حوضها”
عدن، ليست مجرد مدينة، بل معنى محفور في ذاكرة الجسد واللغة والتاريخ.
من نطقها الأول، يتكشف أمامك اسمٌ أقدم من السياسة والجغرافيا، اسمٌ ينتمي إلى اللغة الحميرية القديمة: “عُدن” — وهو الموضع المنخفض بين الكتف والرقبة، حيث تستقر القلادة وتُروى الحكايات، ويستريح الرأس في لحظات التعب.
عدن بهذا المعنى ليست فقط ميناءً ولا فقط بحراً يُعانق الشمس، بل حضن…
حضن جغرافي، تحيطه الجبال من كل الجهات، وكأنها أضلاعٌ عظيمة تحرس قلب المدينة.
منظرها الجوي يكشف عن تلك الفلسفة: مدينة تجلس في حوض جبلي، تحت جناح جبل شمسان، الذي ينهض من خاصرتها كطريق حجري إلى السماء.
أتذكر جدتي فخرية — رحمها الله — حين كانت تُناديني وأنا أعلق سماعة الرأس في عنقي:
“أيش هذا بين أعدانك؟”
كانت تسأل بلهجة قديمة، غير مدركة أنها تُعيد إلي كلمة من جذور التاريخ.
كلمة “أعدانك” لم تكن فقط تعني العنق، بل كانت تستدعي صورة الحماية، الاحتضان، وتلك المنطقة الخاصة من الجسد التي لا يراها الغرباء.
وهكذا، تتجلى “عدن” في اللغة اليمنية الشفاهية، في الذاكرة، في اللهجات التي تقول:
“عدن الأشلوح”
“عدن مرقد”
“عدن لولة”
بل وفي منطقة “العدين”، حيث تنتشر أسماء قرى عديدة باسم “الأعدان”، وكأن اليمن بأكمله يبحث عن حضن جغرافي ومعنوي.
تأملوا عدن من الأعلى، كيف يطوّقها البحر من جهة، والجبال من الجهات الأخرى، وكأنها وليدٌ نائم في حضن الطبيعة.
في “كريتر”، تُروى قصة الصعود من بركان خامد إلى الحياة.
في “خور مكسر”، لا يتحرك الموج، بل يتنهد كما تنهد المغترب العائد.
وفي “المعلا”، تتشابك الوجوه والحكايات والموانئ، في بوح مفتوح على كل الجهات.
عدن ليست فقط عاصمة مؤقتة.
عدن فكرة، وحضنٌ تاريخي، وثقافة تجذّرت في تضاريس الجسد اليمني.
عدن لم تفقد بوصلة العروبة، ولا أصالة التمدن، رغم أنها اليوم تُعاني من حصار معنوي، من محاولات طمس، من سوء إدارة وتهجير من نوع آخر.
لكنها، كما كانت دوماً، تنهض كلما ظنوها سقطت.
شمسان لن ينكسر.
والخور لن يجف.
وعدن لن تنسى اسمها: “عُدن”…
المدينة التي تحمل اليمن كله في حضنها.