منوعات
عــدن... إرثنـا الحضـاري والكـرامــة
يعكس الارث الحضاري صورة الأمة عبر عصورها الماضية فهو يعبر عن اصالتها وتفكيرها وعراقتها فعندما نقرأ عن الآثار أو الموروث الشعبي نقف تخيلاً وكأننا نرى ونسمع ما كان يجري في ذلك الوقت فنحاول السير على خطاهم حتى نصل إلى ذروة سنام المجد.
كونها تعد مصدر فخر لنا ولأجيالنا القادمة فهي بمثابة حلقة وصل أو جسر يربط بين الماضي والحاضر كما انها تشكل هوية البلد فإن الحفاظ عليها يعد حفاظاً على جودة الحياة مما يجعل المجتمع أكثر ملاءمة للعيش، لذلك فقد تحتضن مدينة العديد من الآثار والموروث الثقافي التي يميزها عن غيرها من المدن أو المحافظات اليمنية فهي متفاوتة في كمياتها من مديرية إلى أخرى، وهذا يدل على أنها كانت محط انظار للأمم الغابرة، وذلك بسبب موقعها الجغرافي.
فقد تعرضت المعالم الأثرية بمدينة عدن لعمليات طمس للهوية بدءًا من حرب صيف 1994م، وما زال مستمرًا إلى يومنا هذا ومن أبرزها:
صهاريج عدن، منارة عدن، كهوف البوميس، قلعة صيره، القلعة التركية، مسجد ابان، مسجد العيدروس، مسجد جوهر، مسجد النور، مسجد الهاشمي، باب عدن، حصن الخضراء، حصن التعكر وغيرها.
منهم من هدم وأعيد بناءه بنمط حديث، ومنهم مهدد بالانهيار والضياع بسبب الإهمال وعوامل التعرية، ومنهم من استخدم كمقر عسكري مما قد يعرضها للضرر بسبب الاستخدامات البشرية الغير ملائمة، ومنهم مهدد بالزحف العمراني العشوائي، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو غياب الرقابة والقانون، ولا ننسى ايضًا قلة الوعي الاثري لدى افراد المجتمع وعدم معرفتهم بحضاراتهم وتاريخ اجدادهم فلو تكلمنا عن اثار مدينة عدن لم يعرفوا عنها شيئًا سوا قلعة صيره وصهاريج عدن، لا يعلموا أن مدينة عدن تعد المدينة الوحيدة التي أحتضن ترابها جميع الديانات والاجناس وقامت على أرضها العديد من الحضارات، ففيها بنيت الكنائس والمعابد اليهودية والمسيحية والهندوسية مثل: المعبد اليهودي، مدرسة شليم اليهودية للفتيات، مدرسة الملك جورج الخامس اليهودية للأولاد، المقابر اليهودية، معبد النار، معبد شري رام، معبد هانومان، كنيسة رأس مربط، كنيسة القديسة ماريا، كنيسة سانت جوزيف، كنيسة سانت انتوني، كنيسة صلاح الدين، فمنها ما يزال قائمًا ولكن للأسف بصورة سيئة ومنها ما هدم وتم تحويله لمحلات تجارية.
لذلك فقد أصبحت جميع المعالم الاثرية لا توجد فيها أماكن للجلوس، ولا شيء يذكر ليعيد ذكرياتها.
فلم ينحصر الإهمال بالمعالم الاثرية فحسب بل لامس ايضًا الموروث الشعبي (الزي العدني) والمهرجانات والاعراس بالإضافة اللهجة العدنية التي أصبح التحدث فيها عارٍ وهذه كارثة كبرى منتشرة بين الجيل الناشئ المتأثر بتقاليد دول الخليج والدول الأوروبية الذي يندرج تحت مسمى (التقليد الأعمى)، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قلة الشعور بالانتماء لبلدهم وحضارتهم، وقلة الوعي.
ومن هنا أوجه نداء استغاثة لمن يهمه الامر بالإسراع لإنقاذ ما تبقى من الإرث الحضاري بمدينة عدن الذي تمر بمنعطف خطير وسيئ نتيجة لظروف الحرب إذ أصبحت السلطات المحلية تواجه صعوبات في جمع الأموال اللازمة لصيانة وترميم المواقع الأثرية الهامة في البلاد، ومناشدة المنظمات الدولية على بذل الجهد والتدخل لإيجاد حلول عاجلة في الحفاظ عليها، بدلاً من ترميم المباني السكنية الخاصة التي ربما بيوم من الأيام يقوم مالكها ببيعها وهدمها وتحويلها لمحلات تجارية.
كما اناشد الجهات الأمنية بالتخطيط لنظام أمني متكامل لحماية المواقع الأثرية وإنفاق المبالغ الطائلة على ذلك لما تمثلهم من قيمة ثقافية وحضارية وفرض قيود موضعية على كيفية تفاعل الناس مع الموقع، وايضًا الجهات المختصة بعمل حملات توعوية لغرس بذرة حب الانتماء للوطن وحماية الإرث الحضاري والموروث الشعبي بين أفراد المجتمع من أجل ارتقاء مكانة الدولة واستغلال كافة المقومات من الناحية السياحية والاقتصادية لتوفير بيئة آمنة للمعالم الأثرية واثبات نفسها على الخارطة السياحية في العالم.