تقارير خاصة

تقرير الماني: الحلفاء السابقين قد يعطلون سلام اليمن

 

مع اقتراب نهاية فصل رئيسي من فصول حرب اليمن، لا تزال مخاطر تعطيل السلام قائمة، بما يلقي بعواقب وخيمة محتملة على السكان.

توجَّه وفد رفيع المستوى من الحوثيين من اليمن إلى العاصمة السعودية (الرياض)، في منتصف سبتمبر الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ بداية الحرب، التي أودت بحياة أكثر من 220,000 شخص.

إن توقيت الزيارة، قبيل الذكرى السنوية للاستيلاء على العاصمة اليمنية (صنعاء)، في 21 سبتمبر 2015، وما أعقبها من تصعيد عسكري لاحق بين المتمردين (المعروفين أيضا باسم أنصار الله)، والتحالف العسكري، الذي تقوده السعودية، يمثل نجاحا دبلوماسيا لحكام الأمر الواقع لشمال اليمن. 

هذا بغض النظر عن حقيقة أن تنازلهم الملموس الوحيد حتى الآن كان الوقف المؤقت للهجمات العابرة للحدود باستخدام الصواريخ أو الطائرات المسيّرة على الدول المجاورة؛ مثل المملكة العربية السعودية، أو الإمارات العربية المتحدة.

يشير بعض المراقبين بتهكم إلى أن الدافع الحقيقي للرياض ليس في خلق سلام شامل ودائم في اليمن، الذي مزقته الحرب، بل ب"عدم إزعاج نجوم كرة القدم الأوروبيين الذين تم شراؤهم حديثا بأصوات الانفجارات"!. 

ومع ذلك، يظهر الحوثيون اهتماما حقيقيا بمواصلة المفاوضات مع الرياض، واستغلال الزخم المواتي لتحقيق الانفراجة الإيرانية - السعودية. وقد طوروا ردعا عسكريا معقولا في السنوات الأخيرة بدعم من طهران.

وبالمقابل، لم ينجح خصومهم اليمنيون الداخليون ولا مؤيدوهم الإقليميون والدوليون بمنعهم، أو حتى إيقافهم من توطيد حكمهم على أجزاء كبيرة من البلاد وسكانها منذ عام 2015.

ومع ذلك، فمع انتهاء الضربات الجوية السعودية، في أبريل 2022، ورفع الحصار الجوي والبحري الضروري للازدهار الاقتصادي في شمال اليمن، يفتقر المتمردون الآن إلى دافع رئيسي للحشد وتأمين الدعم الشعبي داخل أراضيهم: "عدو خارجي".

- جهود التطبيع خارجيا وتوطيد السلطة داخليا

في الأشهر الماضية، ارتفعت الأصوات الناقدة، بشكل ملحوظ، لا سيما من حقيقة أن موظفي القطاع العام مازالوا ينتظرون الرواتب والمعاشات التقاعدية، التي تأخرت لسنوات، في ظل زيادة الإيرادات من الضرائب، وزيادة التعريفات الجمركية على الواردات القادمة من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وحدوث طفرة نشاط في ميناء الحديدة بنحو نصف مليار دولار أمريكي بين أبريل ونوفمبر 2022.

كما أتت الانتقادات من صفوف المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم والوحدوي السابق، الذي كان ينتمي إليه رئيس وزراء حكومة الحوثيين، عبد العزيز بن حبتور، حتى الإطاحة به بشكل مفاجئ من قبل "مجلس الدفاع الوطني" في 27 سبتمبر. وبالتالي، فإن المفاوضات واحتمال جني عائد مالي للسلام؛ (أي دعم اقتصادي تحصل عليها دولة ما من سلام يتبع حربا)، يمكن أن تكون مغرية، وقد تشتري الوقت من المتمردين في الداخل، حتى لو كان لا يزال من غير الواضح كيف يمكن تسوية المبالغ المقدمة من دولة مجاورة أو الحكومة المعترف بها دوليا، في ظل ادعاء الحوثيين بأنهم الحكومة الشرعية الوحيدة في اليمن.

في الأشهر الأخيرة، اتخذت قيادة الحوثيين تدابير أشد وأكثر قمعا لتعزيز حكمهم داخليا. وقد تجلى ذلك بشكل خاص في مجال التعليم، ومن خلال القيود الكبيرة المفروضة على منظمات المجتمع المدني وحرية المرأة في التنقل، وقد أدخل هذا، على وجه الخصوص، المتمردين على مسار المواجهة، خاصة مع الدول المانحة الغربية، التي يشكل دعمها الإنساني مصدر عيش لأكثر من 20 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد.

وما زاد من حدة هذه التوترات حقيقة أن قدرة منظمات الإغاثة على منع إساءة استخدام المساعدات من قبل من هم في السلطة، من خلال تقييمات الاحتياجات المستقلة، يجري تقييدها بشكل منهجي، وأحيانا بشكل عنيف.

إن تحسين العلاقات مع الدول الإقليمية، التي يمكن أن تعوض عن انخفاض أو حتى تعليق المساعدات من الغرب، قد يساعد في الحد من تبعية القادة. كما يفسر هذا السبب وراء إعلان قيادة الحوثيين، في الذكرى السنوية للاستيلاء على العاصمة، عن أنها تريد معالجة أي مخاوف من جانب المملكة العربية السعودية قد تقف في طريق التوصل إلى اتفاق، وأعلنت عن نيتها مضاعفة استعدادها القتالي إذا لم يتم تحقيق "سلام مشرف". 

جرى التأكيد على هشاشة جهود التطبيع بين الخصوم السابقين عندما قتلت غارة بطائرة مسّيرة على دورية للتحالف العسكري، الذي تقوده السعودية في منطقة الحدود السعودية مع اليمن، ثلاثة جنود بحرينيين في 25 سبتمبر.

- عالقون في لبنات التأسيس: عملية سلام فيما بين اليمنيين!

على الرغم من أن بُعد الصراع الدولي قد خف من حدة التصعيد، إلا أن ذلك لم يترافق بعد مع تقدم كبير في سلام محتمل بين اليمنيين.

في أواخر سبتمبر، اعتقل مئات اليمنيين الذين يحيون ذكرى تأسيس الجمهورية العربية اليمنية عام 1962 في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. على الرغم من أن الاشتباكات العسكرية بين المتمردين الحوثيين والقوات المسلحة للحكومة المعترف بها دوليا وحلفائها، المجتمعين في مجلس القيادة الرئاسي، قد انخفضت بشكل كبير ، إلا أن الهجمات على القوات الحكومية لم تتوقف.

في يوليو 2023، استخدم المتمردون طائرات مسيرة ودبابات قتالية ومدفعية في محافظة الضالع الجنوبية الغربية. غير أن شكلا جديدا من أشكال الحرب الاقتصادية تضرب الحكومة المعترف بها دوليا، وخاصة الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها بشكل أكبر؛

فمنذ أكتوبر 2022، يستخدم الحوثيون طائرات مسيَّرة لشن هجمات على منشآت إنتاج وتصدير النفط الحيوية في المناطق، التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا.

وبحسب تقاريرها الخاصة، عانت الحكومة المعترف بها دوليا من خسائر تزيد عن 1 مليار دولار في الإيرادات نتيجة لذلك. كما فرض الحوثيون حظرا على استيراد الغاز من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، وشددوا على تجارة البضائع داخل اليمن، خاصة تلك المستوردة عبر ميناء عدن.

على الرغم من أن المملكة العربية السعودية تدخلت لمساعدة الحكومة المعترف بها دوليا المتعثرة من خلال التعهد بتقديم 1.2 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية في بداية أغسطس، إلا أن الوضع الاقتصادي لا يزال مأساويا، حيث فقدت العملة الوطنية (الريال اليمني) ربع قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في العام الماضي وحده.

وكثيرا ما اضطرت محطات الوقود إلى الإغلاق، في الأشهر الأخيرة، واضطر الناس في مدينة عدن الجنوبية إلى تحمل انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 17 ساعة، في ظل حرارة شديدة.

ويزداد الإحباط بين السكان، وكانت هناك حواجز متكررة على الطرق وإصابات وحتى وفيات خلال الاحتجاجات.

وعلى الرغم من الجهود المتزايدة، التي يبذلها الشركاء الأوروبيون لتعزيز الحكومة المعترف بها دوليا من خلال زيارات متواترة بشكل أكبر ووجود أكبر لهم في عدن، فلا يزال الضعف واضحا لمؤسسات الدولة، كما أن الافتقار للوحدة بين الجهات المؤثرة الرئيسية في الجنوب هو أكبر نقطة ضعف للحكومة.

- يصبح الحلفاء السابقون منفصلين!

هذه المفاعيل اليمنية الداخلية تجعل إستراتيجية التفاوض الحالية للمملكة العربية السعودية، فضلا عن الدعم الذي تتلقاه من معظم الجهات الدولية المؤثرة، أكثر صعوبة. فلم يذكر بيان صادر عن الحكومة الأمريكية بشأن محادثات الرياض الحكومة المعترف بها دوليا أو حقيقة أنها، إلى جانب الأمم المتحدة وأطراف النزاع الأخرى والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، مستبعدة من هذه "الجهود من أجل السلام".
وقد تشعر الإمارات (ثاني أكبر قوة إقليمية ذات رهانات كبيرة في الصراع) بأنها مهملة بالقدر نفسه. ويمكن لحلفائها، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسعى إلى تحقيق هدف إقامة دولة في الجنوب، أن ينظروا إلى مصالحهم الخاصة على أنها في خطر. العلاقة، التي كانت وثيقة ذات يوم بين ولي عهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، تعتبر الآن بشكل كبير أنها تفككت.

وفي الوقت نفسه، يجد الحلفاء السابقون أنفسهم الآن منفصلين بسبب تضارب المصالح الجيوسياسية المادية في اليمن والمضائق الإستراتيجية ذات الأهمية المحيطة بالبلاد.

تقدم المحادثات في المملكة العربية السعودية الأمل في مستقبل سلمي لليمن؛ لأنها تلقي الضوء على المصالح السياسية الحقيقية للحوثيين، وخاصة في مجال التعاون الاقتصادي.

إذا، فلا غرابة أن يعبِّر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، بشكل علني عن انتقادات حادة لتصرفات الرياض على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن وجهة نظره، فإن "الصفقة السيئة"، التي يمكن أن تمهد الطريق في نهاية المطاف لاستيلاء الحوثيين بالكامل، ستؤدي في المقام الأول إلى سيطرة إيران ليس فقط على موارد النفط اليمنية، بل وأيضا على طرق التجارة ذات الأهمية الإستراتيجية. ورفض بشدة فكرة المشاركة الأحادية للحوثيين في إيرادات الدولة، الموجودة في الجنوب، خاصة في ظل الوضع الطارئ الحالي في المنطقة، وكذلك التنازلات المتعلقة بالرواتب أو الموانئ البحرية أو انسحاب القوات الأجنبية، ردا على ما يعتبره تكتيكات ابتزاز من قبل الحوثيين قبل التوصل إلى وقف فعلي لإطلاق النار.

تنبِّئ المحادثات، في المملكة العربية السعودية، بالأمل في مستقبل سلمي لليمن؛ لأنها تسلط الضوء على المصالح السياسية الحقيقية للحوثيين، وخاصة في مجال التعاون الاقتصادي، مما يوفر أساسا لنفوذ كبير في المفاوضات طويلة الأجل.

ومع ذلك، طالما أن الهدف الأساسي للمملكة العربية السعودية لا يزال يقتصر على الخروج بماء الوجه من مشاركتها في الحرب وتأمين حدودها، فهناك خطر متزايد من أن الحلفاء السابقين قد يعطلون عملية السلام.

وبالإضافة إلى ذلك، يزداد خطر قيام المتمردين بمساعٍ توسعية عسكرية جديدة، مع ما قد يترتَّب على ذلك من عواقب وخيمة على السكان المدنيين، الذين يعانون من سابق.

في ضوء هذه السيناريوهات، يجب على الجهات الدولية المؤثرة؛ مثل الحكومة الألمانية، تكثيف جهودها لتعزيز المصالحة اليمنية - اليمنية، بما في ذلك في المجالات المتعلقة بالتنمية والسياسة الاقتصادية، وتمكين المؤسسات السياسية من استعادة ثقة السكان الذين يشعرون بخيبة أمل متزايدة.

 مجلة "السياسات الأمنية والخارجية" الألمانية

 

أسعار الصرف صباح اليوم الاثنين 17 نوفمبر


انضمام مؤسسة يماني للتنمية إلى عضوية الاتحاد العربي للتطوع


درجات الحرارة المتوقعة اليوم الاثنين 17 نوفمبر


حوادث السير تحصد حياة 37 شخصا خلال النصف الأول من نوفمبر